نجل فيروز.. من هو زياد الرحباني ويكيبيديا صوت التمرد الذي صمت إلى الأبد؟

فارق الفنان اللبناني زياد الرحباني الحياة عن عمر بلغ 69 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض، تاركًا وراءه مسيرة استثنائية امتدت على مدى عقود، أثر خلالها في الموسيقى والمسرح والسياسة، وكرّس اسمه كواحد من أبرز رموز الفن الحديث في لبنان والعالم العربي.
وكان قد أطل الرحباني على المشهد الثقافي اللبناني في سن مبكرة، وبدأ مسيرته الفنية فعليًا عام 1973 حين قدّم أول ألحانه لوالدته، المطربة فيروز، بأغنية "سألوني الناس" التي جاءت وسط ظروف صحية حرجة لوالده عاصي الرحباني، نجاح الأغنية مهّد له طريقًا واسعًا نحو عالم التأليف الموسيقي والمسرحي، الذي سيصبح لاحقًا أحد أعمدته.
ولم يكتفِ زياد بالتلحين، بل كتب وأخرج أعمالًا مسرحية حققت انتشارًا كبيرًا، بينها "سهرية"، و"فيلم أميركي طويل"، و"بالنسبة لبكرا شو؟"، حيث مزج بين النقد الاجتماعي والسخرية السياسية، واستثمر خشبة المسرح كمنصة للتعبير الحر، متجاوزًا الخطوط التقليدية، وجاعلًا من فنه أداة مواجهة مباشرة مع الواقع.
في موسيقاه، لجأ إلى التجريب والدمج، فابتكر ما يُعرف بالجاز الشرقي، وخلق عوالم صوتية جديدة امتزجت فيها الإيقاعات الغربية بالنغمات العربية، كما أصدر عدة ألبومات موسيقية مثل "هدوء نسبي" و"بما إنّو"، تعاون خلالها مع أسماء بارزة مثل لطيفة وجوزيف صقر، وترك أثرًا واضحًا في جيل من الفنانين الشباب.
زياد لم ينفصل عن السياسة، بل عبر عن انتمائه اليساري بوضوح، وقدم برامج إذاعية ناقدة من أبرزها "بعدنا طيبين، قول الله"، التي عكست رؤيته للواقع اللبناني خلال الحرب الأهلية، كما أعلن في مناسبات متعددة تمسكه بالفكر العلماني، وواجه جدلًا واسعًا بسبب مواقفه المباشرة من القضايا المحلية والإقليمية.
على الصعيد الشخصي، ارتبط زياد أولًا بدلال كرم ثم بالنجمة كارمن لبس، لكن حياته الخاصة بقيت محاطة بكثير من الحذر، لا سيما مع تصاعد الجدل الذي لاحق تصريحاته السياسية، وأثر بشكل مباشر على علاقته بوالدته فيروز، والتي مرت بفترات من القطيعة استمرت لسنوات.
الخلاف بينه وبين فيروز تفجر علنًا عام 2013 بعد تصريحات صحفية كشف فيها زياد عن إعجاب والدته ببعض الشخصيات السياسية المثيرة للجدل، الأمر الذي دفع شقيقته ريما للرد، وتسبب بقطيعة طويلة، لكنها انتهت باتصال هاتفي صامت أعاد المياه إلى مجاريها عام 2018، بعد أن اختار الرحباني أن يكرّر حيلة كانت تستخدمها فيروز معه قديمًا.
يذكر أن زياد لم يغب عن الساحة رغم وعكته الصحية، فقد واصل العزف والمشاركة في مهرجانات مثل بيت الدين عام 2010، كما قدم عروضًا صغيرة في أماكن مغلقة لتدريب الموسيقيين، بعيدًا عن الأضواء، حيث بدا أكثر ميلاً للعزلة، ومع مرور السنوات تراجعت صحته تدريجيًا، حتى توقف عن تلقي العلاج نهائيًا في الأشهر الأخيرة.
برحيل زياد الرحباني، يفقد لبنان صوتًا كان يُمثل ضميرًا فنيًا وثقافيًا، ورمزًا لفنان واجه السلطة بالسخرية، وتحدّى السائد بالألحان، وغنّى للناس من وجعهم، تاركًا وراءه مشروعًا فنيًا وإنسانيًا لن يموت مع غيابه.