مصراوي 24
مصراوي 24

من هو عباس المناصر؟ من بغداد إلى الجبهة الشرقية: كيف تحوّل شباب عراقيون إلى جنود في صفوف الجيش الروسي؟

عباس المناصر
عبد الله رشاد -

في أحد مطاعم العاصمة الروسية موسكو، وبينما كان الشاب العراقي عباس المناصر يتصفح هاتفه المحمول، لم يكن يعلم أن لحظة عابرة ستُغيّر مصيره إلى الأبد.

إعلان رقمي بسيط، يحمل رمز "كيو آر" مضيء، قاده إلى عرض لم يكن يتوقعه: انضم إلى الجيش الروسي – راتب، تدريب، وجنسية.

ما بدأ بفيزا سياحية بحثًا عن طريق إلى أوروبا، انتهى به في خنادق القتال على الجبهة الأوكرانية، ومعه، عشرات – بل مئات – من الشباب العراقيين والمصريين والجزائريين، وجدوا أنفسهم في قلب حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

من حلم الهجرة إلى واقع الحرب

عباس حمدالله، المعروف على وسائل التواصل الاجتماعي باسم "عباس المناصر"، لم يكن ينوي حمل السلاح حين غادر العراق، كانت الخطة، كما يقول، الوصول إلى ألمانيا عبر روسيا وبيلاروسيا، لكن الوضع تغيّر سريعًا.

الإعلانات الروسية التي غزت الشوارع والمطاعم والحافلات في موسكو، كانت تعرض رواتب تصل إلى 3000 دولار للمتطوعين الأجانب، مع وعود بالحصول على الجنسية الروسية ومزايا أخرى.

الفضول دفع المناصر ورفاقه للاستفسار، وقادتهم صاحبة الفندق إلى مكتب تابع لوزارة الدفاع الروسية.

بعد مقابلات، وفحوصات طبية، وتحقيقات أمنية، تم قبولهم رسميًا، خضعوا لتدريب عسكري ولغوي صارم استمر قرابة شهرين، قبل توزيعهم على الجبهات.

من حفر الخنادق إلى العمليات العسكرية

في البداية، اقتصرت مهامهم على حفر الخنادق وتجهيز مواقع للطائرات المسيّرة، لكن سرعان ما تغير الوضع، وبدأوا يشاركون في مهام قتالية حقيقية.

المناصر يؤكد أن الضابط المسؤول كان شيشانيًا، طمأنهم في البداية وقال: "أنا مسلم مثلكم، وأعلم أنكم خائفون، لكنني سأرشدكم."

لاحقًا، بدأ العراقيون يسمعون من الجنود العائدين من الخطوط الأمامية عن قسوة الحرب، وسرعان ما أصبحوا جزءًا منها.

تجنيد العرب: تجارة بشرية مغلفة بالوعود

لكن قصة عباس ليست استثناءً، بل نموذج لظاهرة آخذة في الانتشار، مكاتب سفر وسماسرة – بعضهم عرب – يعرضون على الشباب فرص عمل كسائقين أو طهاة، لكنهم يُزجّون بهم في الحرب، العقود تُكتب بالروسية، والمكافآت تُصادر، وبعض العائدين جثثًا لا تصل إلا وسط صمت رسمي.

المناصر نفسه يقول: "كنت أقول للشباب، كيف ستعملون طباخين وأنتم لا تعرفون الروسية؟"

ويضيف: "رواتب الجنود الأجانب اليوم تصل إلى 10 آلاف أو حتى 20 ألف دولار، وهناك وعود بجنسية روسية وتعليم مجاني لأبناء القتلى ومعاشات مدى الحياة لذويهم."

ما يقرب من ألف مقاتل عراقي... وأكثر من 200 قتيل

وفق تقديرات المناصر، التحق نحو 1000 عراقي بالجيش الروسي منذ بدء الحرب في 2022، قُتل منهم أكثر من 200.

العديد من وسائل الإعلام تواصلت مع عائلات ثلاثة شبان في بغداد والبصرة وديالى، أكدت جميعها أن أبناءها غادروا بتأشيرات سياحية، لكنهم تورطوا في القتال.

يقول والد أحدهم: "ابني ذهب ليعمل في معسكر، فوجد نفسه جنديًا في الخطوط الأمامية. نخشى أن يعود إلينا جثة."

موقف الحكومة العراقية: صمت رسمي وتحذيرات خجولة

رغم هذه الوقائع المتزايدة، لم تُصدر الحكومة العراقية أي تعليق مباشر. السفارة العراقية في موسكو أصدرت بيانًا مقتضبًا نفت فيه إصدار تأشيرات للقتال، ووصفت ما يُتداول بـ"الادعاءات المضللة"، مؤكدة أن موقف بغداد "ثابت على الحياد".

لكن خبراء يرون أن التحذيرات لا تكفي، في ظل غياب الخطط الاقتصادية، وانتشار الفقر، وانعدام فرص العمل، ويقول المحلل السياسي جعفر زيارة: "الشباب العراقي أصبح فريسة سهلة للتجنيد، كما حدث في صراعات إقليمية سابقة، فيما اعتبر علي العبادي، رئيس مركز العراق لحقوق الإنسان، أن هذه المشاركة تمثل خرقًا دستوريًا واضحًا.

عباس المناصر: "قلت لهم، من يلتحق بالحرب... قد يموت بنسبة 99%"

بعد عام كامل في الجيش الروسي، سُرح عباس المناصر، لكنه جدّد عقده لاحقًا.

وبينما أصبح "مؤثرًا" داخل صفوف المتطوعين، رُفعت ضده تقارير من الاستخبارات الروسية بسبب تحذيراته في الفيديوهات.

"سألوني لماذا أقول إن احتمال الموت 99%، قلت لهم إن الناس يجب أن تعرف الحقيقة قبل أن تقرر"، يقول المناصر.

ويختم رسالته: "فكروا ألف مرة قبل أن تتخذوا هذا القرار، الحرب ليست وظيفة... إنها مقامرة بالحياة."