مصراوي 24
اكتشف أبرز الخدمات الرقمية الجديدة في السعودية خلال 2025: ثورة تقنية تغير حياتك اليومية ماذا قدم الدوري السعودي للمحترفين للاعبين الشباب؟ فرص ذهبية لبناء نجوم المستقبل كيف تؤثر قرارات الفائدة العالمية على القروض والأسعار في العالم العربي: التغييرات الكبرى بعد خفض الفيدرالي 2025 بعد تدهور صحتها والضرب المبرح: مطالبات فورية بالإفراج عن نرجس محمدي حائزة نوبل للسلام.. ولجنة نوبل تستنكر الاعتقال لن تصدق.. ما هو سبب طلاق حسام الحسيني ونانسي بيرو؟ تعليق الدراسة غداً الثلاثاء 16 ديسمبر في شمال سيناء بسبب سوء الأحوال الجوية خالد الزعاق يوثق جريان السيول 2025 بفيديو مثير من قلب الحدث: شاهد اللحظات المذهلة بسبب غزارة الأمطار.. جامعة الملك سعود للعلوم الصحية تعلق الدراسة الحضورية وتحولها إلى ”أونلاين” في الرياض والأحساء أقوى تردد على نايل سات لاستقبال أكبر عدد من القنوات بسهولة وجودة عالية hd أفلام رعب وأكشن جديدة.. تردد قناة موفيز أفلام الجديدة على النايل سات 2025 لا تفوت المشاهدة.. تردد قناة ماجستيك دراما 2025 الجديد نايل سات بإشارة عالية لمشاهدة أقوى الأفلام العربية.. تردد قناة hebeshah الجديد 2025 نايل سات بأعلى جودة HD
مصراوي 24 رئيس مجلس الإدارةأحمد ذكي
الثلاثاء 16 ديسمبر 2025 08:37 صـ 26 جمادى آخر 1447 هـ

إيــمــي.. قصة قصيرة..أحمد الخميسي

كانت إيمي صغيرة الحجم، دقيقة، قصيرة، نحيفة، وجهها مستطيل مضغوط من الجانبين كأنه شمعة وحول رأسها كان ثمة نور خفيف، عيناها واسعتان، كعيون الإيرانيات، معبأة بسواد ساحر عميق، يعلوهما حاجبان مرسومان بدقة كهلالين غاية في الجمال. لكن إيمي لم تكن تنظر مباشرة إلي عيني من يحدثها إلا نادرا وللحظة قصيرة تعود بعدها تطرق برأسها وتحني كتفيها النحيفتين المضمومتين لأسفل وهي تضفي على نفسها هيئة من ينصت باهتمام وأدب. لم تكن تنظر لأحد مباشرة، بل ولم تكن تنصت لشيء. اكتشفت ذلك فيما بعد، حين كنت أحدثها ذات مرة، وتوقفت عن الحديث أتأملها متشككا في أنها تسمعني، ثم لزمت الصمت ناظرا إليها وهي مازالت تهز رأسها كمن ينصت، وعدت أكلمها لكن في موضوع آخر دون أن يثير ذلك أي رد فعل لديها. وحتى حين كانت إيمي تنهض وهي تضم طرفي الجاكت الخفيف، وتمد يدها مودعة، كنت أشعر أنها لا ترى أي شيء حولها. كانت مستغرقة في نفسها طوال الوقت تحاول أن تنصت في أعماقها الى غمغمة بعيدة، صدى خافت لصوت مهشم يلوح ويختفي. حين كانت إيمي تأتي إلي في أيام الشتاء كان أول ما تطلبه أن أغلق بطارية التدفئة لأنها تصدر أزيزا خفيفا، وفي أيام الصيف ترجوني أن أغلق جهاز التكييف لأن الصوت الضعيف جدا الصادر عنه يقلقها، ثم كانت تسألني أن أغلق جهاز التلفزيون وأحكم إغلاق النوافذ لأن الأصوات القادمة من الشارع توترها، ثم تجلس بعد أن أنفذ كل ما طلبته ترهف السمع، وتقول: هل هناك جهاز ما يعمل في المطبخ؟ أقول: لا. تقول: لأنني أسمع صوتا. أقول: ربما من عند الجيران. وفقط عندما تختفي كل الأصوات تجلس إيمي وتهدأ وتطرق برأسها تنصت في أعماقها لغمغمة من عالم آخر، تنصت بكل كيانها مثل شخص غائب في صلاة، كأنما تبتهل إلي الغمغمة الخفية أن تخرج من الضباب.

قلت لها مرة ونحن نتغدى في أحد المطاعم: أنت يا إيمي لا تسمعين، لا تنظرين، لا تبصرين. لست هنا. ضحكت ضحكة مسحوبة: ما الذي تقوله؟ كيف أعيش إذن؟ قلت لها: تتركين هذا الانطباع يا إيمي. سكتت ورأسها مطرق ثم قالت دون أن تنظر إلي: انني أتذكر أبي الذي توفي مبكرا، كان أغلى ما في حياتي. يخيل إلي طيلة الوقت أنه همس لي بشيء لكني لم أسمعه جيدا حينذاك أو سمعت ولم أفهم لأني كنت صغيرة في السادسة وأنه مازال يريد لكلمته أن تصلني، وحتى الآن أتحدث إليه، أستأذنه قبل أن أقوم بهذا العمل أو ذاك، أطلب موافقته، وحينما أخطئ أو أذنب أسأله بدموعي في الليل أن يغفر لي. أتساءل أحيانا ألم يحن الوقت لكي يتركوه يرجع إلي عالمنا بعد أن بقى هناك سنوات طويلة جدا؟ ألا يكفي كل هذا الزمن؟

كنت متيما بإيمي أحاول أن أنتهز الفرصة لأعترف لها بحبي، فأمسكت بيدها ونحن جالسان وقلت لها بصوت مرتجف: إيمي.. أنت ترجين كل كياني رجا متصلا من دون لحظة واحدة ألتقط فيها أنفاسي. ما أن أقترب من أي شيء حتى أكتشف أنني أحبك، حين أتجه الى المطبخ وأضع إبريق الشاي على النار أجدني أحبك. حين أستلقي لبعض الوقت على السرير أجدك ملء قلبي، عندما أرفع سماعة التلفون، وحينما أخلع قميصي، وأنا أفتح باب الشقة، وحتى يدي وهي تغسل وجهي تذكرني أني أحبك. كأن العالم اختزل وجوده إلي مجرد سهم كبير يشير إليك. قولي لي كيف يمكن لكل ما ألمسه أن يتذكرك وأن يجعلك أمامي؟

أمسكت إيمي بيدي ودعكتها بقوة وهي تنظر بعيدا وقالت: نعم. هذا هو الحب. أنا أعرفه.

افترقنا على أن نلتقي بعد ساعتين في ميدان التحرير ثم نتجه بعد ذلك لمشاهدة عرض مسرحي. كان موعدنا في السادسة مساء في الساحة الممتدة أمام مبنى المجمع الضخم. لكن ازدحام الطرق أخرني عنها نحو ربع الساعة، وحين بلغت الميدان وجدته يضج بالنداءات وضوضاء السيارات وصياح المارة. شاهدت إيمي من بعيد، رحت أخطو في اتجاهها بخطوات سريعة، وفجأة رأيتها تتلفت متطلعة إلي الجو حولها وهي مذعورة ثم أخذت تلوح بيديها كأنما تصد رصاص أصوات ينهمر عليها من كل ناحية، وأمسكت رأسها بيديها، وضغطت على إذنيها بقوة، وقد تشنج وجهها. هرولت ناحيتها، كانت تترنح نحيفة رقيقة كأنها بقية حب، واستولي على فزع لم أعرفه من قبل. لحقت بها قبل أن تهوي على الأرض، أمسكتها من كتفيها وأنا أصيح فيها: إيمي. هززتها بقوة، ففتحت عينيها. هتفت باسمها ثانية: إيمي، فحدقت بي بنظرة مثل الشهقة وتمتمت بحرارة غير مصدقة: جئت!!

تلك كانت المرة الوحيدة التي رأتني فيها إيمي!