سامر شقير: رؤية 2030 تنقل السعودية من جذب الاستثمارات إلى التأثير في الاقتصاد المالي العالمي
في عالم تتغير موازينه الاقتصادية بوتيرة متسارعة، برزت السعودية خلال السنوات الأخيرة كأحد أبرز النماذج في التحول الهيكلي نحو اقتصاد المستقبل.
ورغم أن الخطاب العالمي كان لسنوات يتمحور حول جذب الاستثمارات الأجنبية، إلا أن رؤية 2030 قلبت المعادلة؛ فالمملكة لم تعد تسعى لجذب رأس المال فحسب، بل إلى تأسيس بيئة تستقطب المعرفة، وتنتج القيمة، وتصدر الحلول.
هذه هي الرؤية التي استعرضها الخبير الاستثماري سامر شقير في تحليله لتصريحات وزير الإسكان السعودي ماجد الحقيل خلال القمة العالمية للبروبتك، معتبرًا أن ما يجري في الرياض ليس مجرد تحديث اقتصادي، بل إعادة صياغة كاملة لمفهوم الاقتصاد الحديث.
من مرحلة الجذب إلى مرحلة التأثير
يقول شقير إن التصريحات الأخيرة تعكس تغيرًا نوعيًا في الدور الاقتصادي للمملكة؛ فبعد أن كانت السعودية تُعرّف كوجهة استثمارية واعدة، أصبحت اليوم قوة استثمارية مؤثرة تسهم في تشكيل الاتجاهات العالمية.
ويضيف أن رفع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر من 30 إلى 100 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2030 ليس هدفًا رقميًا بقدر ما هو مؤشر على الثقة العالمية في بيئة الأعمال السعودية، التي باتت تمتلك مقومات الاستدامة والتنظيم والتقنية.
ويرى شقير أن هذا التحول الاستراتيجي نابع من تطوير البنية المؤسسية وتحديث القوانين التجارية والمالية، إلى جانب تحسين تجربة المستثمر محليًا وعالميًا، حيث أصبحت الأنظمة أكثر مرونة، والإجراءات أكثر سرعة، والتكامل الحكومي أكثر نضجًا من أي وقت مضى.
البروبتك.. حيث يلتقي العقار بالتقنية
في محور حديثه عن التقنية العقارية (PropTech)، أشار شقير إلى أن القمة العالمية للبروبتك في الرياض تمثل رسالة اقتصادية واضحة للعالم بأن السعودية لم تعد مستهلكة للتقنية، بل مُنتجة لها ومُصدّرة للنماذج.
وأوضح أن المشاريع الوطنية الكبرى مثل نيوم والقدية وروشن والدرعية أصبحت مختبرات حية لتطبيق أحدث التقنيات العقارية، بدءًا من الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، وصولًا إلى التحليلات الضخمة والبلوكشين.
هذه المشاريع — بحسب شقير — لا تكتفي بتغيير شكل المدن، بل تعيد تعريف علاقة الإنسان بالمسكن والبيئة والمجتمع، في إطار رؤية شاملة توازن بين الحداثة والاستدامة.
وأضاف أن التحول الرقمي في العقار لم يعد ترفًا، بل ضرورة استراتيجية تسهم في تحسين كفاءة السوق، وتخفيض التكاليف، وزيادة الشفافية، مما يجعل القطاع العقاري قاطرة حقيقية للنمو التقني والاقتصادي في آن واحد.
الابتكار المالي.. معادلة النمو والانضباط
وفي تحليله لمستقبل القطاع المالي السعودي، تناول شقير أبعاد تصريحات الوزير حول العملات الرقمية والأصول المستقرة، والتي أشار فيها إلى أن حجم السوق العالمية يتجاوز 9 تريليونات دولار من المعاملات و300 مليار دولار للأصول المستقرة.
يقول شقير إن هذا الوعي الرقمي يعكس نظرة سعودية متقدمة تجاه الاقتصاد المالي الجديد، إذ تتعامل المملكة مع هذه التحولات بعقلية الابتكار المنضبط؛ فبدلًا من الانسياق وراء التجارب غير المنظمة، تبنت الجهات التنظيمية — مثل البنك المركزي السعودي وهيئة السوق المالية — نهج “البيئة التجريبية التشريعية” (Sandbox)، الذي يسمح بتجربة التقنيات الجديدة في بيئة آمنة ومنضبطة.
ويرى شقير أن هذا التوازن بين التحفيز والتنظيم هو ما يمنح الاقتصاد السعودي ميزة تنافسية فريدة في المنطقة، ويؤهله لأن يكون وجهة عالمية للتمويل المبتكر خلال العقد القادم.
رؤية 2030.. فلسفة اقتصادية شاملة
يؤكد سامر شقير أن رؤية السعودية 2030 ليست مجرد مجموعة من الأهداف الاقتصادية، بل فلسفة تحول شاملة تنطلق من فكرة تمكين الإنسان والمكان، وتعيد صياغة العلاقة بين الدولة والسوق والمجتمع.
ففي ظل التحول العالمي نحو الاقتصاد المعرفي والرقمي، استطاعت المملكة أن تدمج التقنية في جوهر سياستها الاقتصادية، بحيث لم تعد التكنولوجيا قطاعًا منفصلًا، بل لغة موحدة بين جميع القطاعات: من الصحة إلى التعليم، ومن الطاقة إلى العقار، ومن الخدمات إلى التمويل.
ويضيف أن هذا التكامل يخلق بيئة أعمال ديناميكية تتجاوز الحدود الجغرافية، وتجعل من السعودية مركزًا لتجارب الاقتصاد الجديد الذي يقوم على الابتكار، لا على الموارد فقط.
الرياض.. عاصمة اقتصادية للمستقبل
اختتم شقير تحليله بالتأكيد على أن الرياض تمضي بخطوات ثابتة لتصبح عاصمة اقتصادية وتقنية للشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن المدينة تجمع بين القوة المالية، والبنية التحتية الذكية، والانفتاح التشريعي الذي يجعلها بيئة مثالية للشركات الناشئة والعالمية على حد سواء.
وقال:
"ما يحدث في السعودية اليوم ليس مجرد نمو اقتصادي، بل إعادة تعريف لمفهوم التنمية الحديثة. إنها لا تبني المستقبل فقط، بل تصنع معاييره."
وبينما تتجه الأنظار نحو عام 2030، يبدو أن المملكة — كما يرى سامر شقير — لا تنتظر المستقبل، بل تبادر بصنعه، بثقة، ورؤية، وإصرار على أن تكون في قلب التحول الاقتصادي العالمي لا على هامشه.

