مصراوي 24
الفرنسي يتألق.. نتيجة مباراة ريال مدريد ضد تالافيرا اليوم في كأس ملك إسبانيا 2025 تعليق الدراسة الحضورية غدًا في الرياض ومحافظاتها والتحول إلى منصة مدرستي نتيجة مباراة مانشستر سيتي ضد برينتفورد في كأس الرابطة 2025.. عودة نارية لكتيبة جوارديولا نتيجة مباراة باريس سان جيرمان ضد فلامنجو اليوم في نهائي كأس إنتركونتيننتال 2025 والملخص هل يتفوق ريال مدريد على تالافيرا الليلة ضمن منافسات كأس ملك إسبانيا؟ كل ما ترغب بمعرفته عن مباراة ريال مدريد و تالافيرا ضم منافسات الدور 32 من كأس ملك إسبانيا من يحسم مواجهة الليلة بين مانشستر سيتي وبرينتفورد ضمن منافسات كأس الرابطة الإنجليزي؟ هل ينجح مانشستر سيتي بالتفوق على برينتفورد الليلة ضمن منافسات الدور الربع نهائي لكأس الرابطة الإنجليزي؟ محتوى ترفيهي متنوع.. تردد قنوات السكرية أفلام على النايل سات 2025 مفاجأة كبرى.. صحيفة الرياض تعلن رحيل هيرفي رينارد وتعيين مدرب جديد للمنتخب السعودي كيفية مشاهدة مباراة باريس سان جيرمان وفلامنجو في كأس إنتركونتيننتال شاهد بدون تشفير.. تردد قناة سوريا الرياضية الناقلة لدوري أبطال أوروبا وكأس إفريقيا 2025
مصراوي 24 رئيس مجلس الإدارةأحمد ذكي
الخميس 18 ديسمبر 2025 03:37 صـ 28 جمادى آخر 1447 هـ

بــــــط أبـــــيـــــض صــــغــــــيــــــــر.. قصة قصيرة - أحــمــد الــخــمــيــســي

من قبل كنت أتابع كل شئ ، ثم توقفت عن متابعة أي شئ . توقفت منذ شهور طويلة عن شراء الصحف ، جميع الصحف . لم أعد أفتح التلفزيون . توقفت عن توقيع بيانات الاحتجاج السياسي ، توقفت عن الكلام فيما يحدث حولنا . صرت أتسقط أخبار الأحداث المهمة من أفواه معارفي خلال المكالمات الهاتفية ، أو اللقاءات التي تحدث بالمصادفة في شوارع المدينة. القصف اليومي لمدن فلسطين أحالها لشجرة عيد ميلاد تزينها بيوت صغيرة تتوهج نوافذها بالموت، وجعلني أقول لنفسي لاشيء يتغير إلي الأحسن . أحيانا نادرة كان الأمل يتواثب وينقر شباكي ، فأهمس لروحي أنني مخطئ ، ولابد أن ثمة ما يتحرك نحو الأحسن ، لكن ما أن يبدأ القصف من جديد حتى يفر الأمل بجناحيه الرقيقين مذعورا من الدوي والدخان الأسود . يوما بعد يوم توقفت عن متابعة أي شيء ، لكنني بحكم العادة المتأصلة كنت أفتح التلفزيون من وقت لآخر أكتفي بمشاهدة مقدمة نشرة الأخبار التي تستغرق نصف دقيقة ، أشاهدها بروح عدائية مثل شخص يدافع عن نفسه ضد الأنباء السيئة ، وخلال نصف الدقيقة تلك تتدفق نعوش الأطفال الفلسطينيين إلي الشاشة، مثل ماء رفعت عنه السدود مرة واحدة ، من شاشة التلفزيون إلي المنضدة وإلي أرض الصالة في بيتي ، نعوش صغيرة ، تهرول نحوي مرفوعة على أكتاف ورؤوس الآباء المحنية وتختبيء تحت الأرائك والمقاعد قبل أن تشن عليها غارة أخرى . أغلق التلفزيون بسرعةوأندم أنني فتحته . لكن أكوام الأطفال التي تسربت من الشاشة تكون قد شغلت كل فراغ في شقتي . يتطلعون إلي ببراءة وعتاب، برجاء أن أغفر لهم أنهم احتموا بمنزلي من غير استئذان ، وشغلوا كل مساحة شاغرة بين قطع الأثاث في الصالة وفي الردهة الممتدة نحو الحمام والمطبخ وفي غرفتي النوم والمكتب . أقف مكاني مرتبكا ، لا أدري ماذا بوسعي عمله. يطمئن الأطفال في قمصانهم الحمراء قليلا ، ويستريحون من الجحيم ، يألفون المكان ، ولا يغادرون شقتي ، لأن الدنيا في الخارج مرعبة . أنهض من مقعدي لأمضي إلي حجرة النوم فيتحركون في أعقابي مثل سرب من البط الأبيض، يتعثرون ما بين قدمي برؤوس مشجوجة ، فوق كل رأس منها شريط معقود من قماش أبيض يربط الفك السفلي لكي لا يتدلى ساقطا في الهواء .

صفوف من البط الأبيض الصغير تسكن معي منذ شهور طويلة ، وتتبعني كأنما تخشى أن تفقدني ، تتنقل ورائي من حجرة لأخرى ، تسارع بالتكدس حول قدمي في المطبخ ، وحين أهم بمغادرة المسكن يقف البط الأبيض الصغير عند باب الشقة صفوفا ، يمط رقابه النحيلة الطويلة لأعلى، يتفحصني بصمت ، ينحرف برأسه قليلا ، ومنقاره السفلي مربوط بقطعة القماش إلي رأسه ، يتطلع إلي ، لايدري إن كنت سأعود إليه أم أنني سأتخلى عنه .

أرجع في المساء ، وقبل أن أفتح باب الشقة أسمع صوت اصطفاق الأجنحة وراء الباب ، أفتح وأدخل بين خفق أجنحة البط الأبيض، وفي جو الصالة يضطرب الصياح ، وتسبح عيون مغلقة ، وكراسات ، وأقلام ، وصنادل صغيرة . أخطو بين الصفوف البيضاء محاذرا نحو حجرة المكتب، والصفوف تتدافع ورائي ، أتوقف أمام مدخل الحجرة ، وألوح لها بيدي لكي ترجع، أريد أن أصيح فيها ، لكنها تظل واقفة ، صامتة ، لاتحيد بعيونها عن وجهي وكتفي وصدري .

في الليل يملأ البط الأبيض كل موضع في حجرة نومي ، ينعس على صوان الملابس ، وأعمدة الستارة ، وحافة النافذة ، وأطراف سريري ، فإذا حركت ذراعي أو تقلبت على جنبي ارتطمت به ، أنظر إليه ، فيحدق في بصمت ورهبة وأمل .

منذ زمن يلازمني شعور مضن أن على أن أعيد تلك الكائنات البيضاء الصامته إلي هيئتها الأولى ، إلي بشراتها الغضة ، وأمهاتها ، ووقفاتها أمام فاترينات محلات الألعاب . أقول لنفسي على بكل ما أوتيت من قوة أن أفك السحر الذي ربطها في صورتها هذه . ولم أكن أدري ما العمل . أتجه كل يوم إلي عملي في مكتب البريد، أملأ استمارات التحويلات المالية من مدينة لأخرى ، وأسمع الناس يخاطبونني كأن أصواتهم قادمة من تحت الماء ، ودوي القنابل يطغي على كل شيء . لكنني أسد أذني وقلبي بإحكام لكي لا أرتكب غلطة في عملي ، وأستمر في توقيع الأوراق، وفي الظهيرة أغادر المكتب وأتجول في الشوارع القريبة قبل أن أتجه لمنزلي . أعود ، أفتح الباب ، وأنا أعلم مقدما ما ينتظرني . الأجنحة البيضاء التي تضرب في الهواء ، والريش الخفيف المتطاير في الجو ، وتلك النظرات ، والمناقير المربوطة بقطع القماش . يواتيني شعور أنني لم أكن في العمل ، لكنني كنت أفر من كل هذا ، مثل جندي تسلل من موقعه في تل مشتعل إلي غابات بعيدة . يعزيني البعض بأن الحياة مهما كان لا تتوقف. لكن لماذا أحس بهذه المرارة وأنا في عملي ؟ أو حين ألتقي بالأصدقاء القلائل؟ أو عندما أشرب كوب ماء وأجد صفوف البط الأبيض تتطلع إلي بنظرة مبهمة ؟ أحدق فيها هاتفا - وهل أنا المذنب ؟ هل أنا الذي يلقي بالقنابل على الأطفال؟!

منذ زمن طويل توقفت عن متابعة كل ما يحدث . كل ما يشغلني الآن هو صفوف البط الأبيض التي تواصل نموها في مسكني ، وتتخبط حولي ، وتمنعني من التنفس أو تناول الطعام براحتي . الآن وقد حل منتصف الليل نهضت وربطت فكي السفلي بأعلى رأسي بقطعة قماش أبيض، ووقفت متجمدا بين الصفوف البيضاء ، ورفعت في الضوء الباهت رقبتي النحيلة لأعلى ، ومشيت معها في الحجرات الفارغة ، أحجل بصمت ، على أمل أن تدق الباب علينا يد بشرية .