أحمد المسلماني يكتب: ما بعد ”القرضاوى” .. الاتحاد الدولى لعلماء المسلمين
فى عام 2004 تأسس «الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين»، وفى عام 2014 انتهى.
حان الوقت لتأسيس الاتحاد «الدولى» لعلماء المسلمين، على أنقاض الاتحاد «العالمى» لعلماء المسلمين.
(1)
بدأ الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين نشاطاته كجمعية أهلية فى عام 2004، وضم مسلمين من السنة والشيعة والإباضية.. وكان الهدف المعلن توحيد جهود العلماء والدعاة المسلمين حول العالم.. ومساعدة المجتمع الإسلامى فى الفكر والفقه.. وفى التوفيق بين الشرع والحياة. كان اسم الشيخ يوسف القرضاوى كافياً لمنحه الكثير من المكانة العلمية والثقة الأخلاقية، ذلك أن الشيخ كان واحداً من كبار علماء الأمة، وأحد رموزها الكبرى فى الاتزان والوسطية.
كان «الشيخ» ومعه «الاتحاد» فى السنوات الأولى عامل وحدة لا فرقة.. وطريق عقل وإدراك، لا طريق جنوح وانفلات.
(2)
لكن الأمور لم تمضِ طويلاً على هذا النحو، إذ سرعان ما طغت المصالح على المبادئ، والسياسة على الشريعة.. والدنيا على الدين.
أصبح أمير قطر المرشد الأعلى للاتحاد.. يوجه ويقرر.. يصعد من يشاء ويهبط بمن يشاء. لقد فهم أن دور «الراعى» الاقتصادى للاتحاد.. لا بد أن يتطلب تدخل «الراعى» فى شئون «الرعية».. وتحول الاتحاد من مؤسسة علمية وفكرية تبشر بمستقبل جيد، إلى ما يشبه الجناح الدينى للقصر الأميرى فى قطر!
(3)
ثم كان دور «الراعى الثانى» للاتحاد.. ذلك أن إيران تحتل منصب نائب الرئيس.. و«المذهب الثانى» موجود وفاعل.. ودون انقطاع. وأصبح الاتحاد أسير راعٍ فى الدوحة وآخر فى طهران. ولما حاول الشيخ القرضاوى نفسه أن يتصدى للراعى الثانى.. وأطلق تصريحاته الشهيرة ضد الشيعة وضد التشيع، جاء أول وأقوى الردود عليه من داخل الاتحاد نفسه..!
(4)
ثمة راع ثالث كان موجوداً منذ اللحظة الأولى، بل هو فى الواقع الراعى الأول.. لكنه ترك الساحة للاعبين آخرين بعض الوقت عن عمد وعن رأى.. إنه تركيا.
لقد وصل رجب طيب أردوغان إلى السلطة عام 2003 وتأسس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين عام 2004. إنها فكرة «أردوغان» تماماً.. ولكن «أردوغان» وقتها كان هو الآخر.. معتدلاً وناجحاً، كان مصدر إلهام لعموم المسلمين.. كيف يكون المسلم حديثاً وملتزماً فى آن.. كيف يمكن الصلح الواقعى بين الحداثة والإسلام.
لكن «أردوغان» قد تحول، والشيخ القرضاوى قد تحول.. تحول الراعى الأول.. وتحول الشيخ الأخير!
(5)
ترك «القرضاوى» مهمة «الخطيب» فى المساجد ليصبح «المتحدث الرسمى» للرعاة على المنابر.. أصبح «القرضاوى» «ناشطاً سياسياً» لا رجل «فكر وعلم».
وأصبح متوقعاً ما الذى سيقوله فى كل خطبة فى مسجد عمر بن الخطاب فى الدوحة، وهو نفسه الذى سيقوله فى إسطنبول.. أصبحت خطب الشيخ الذى كان عميداً للدعاة.. مجرد قارئ نشرة سياسية.. تتناول الأوضاع الإقليمية حسبما كتبها «أردوغان» و«تميم» وعدد من «المعدين المساعدين»!
(6)
ولقد جاء اختيار الشيخ القرضاوى من جديد رئيساً للاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، ثم ضم أعضاء جدداً إليه.. لم يعرف لهم أحد علماً ولا فضلاً. جاء ذلك التشكيل صادماً لمن فاتته الصدمة فيما سبق.
واليوم أقول بوضوح.. لقد انتهى الاتحاد العالمى بمثل ما انتهى الشيخ «القرضاوى».. والقادم لن يحمل جديداً عما سبق.. ستستمر نشرات الأخبار وتوجيهات التنظيم الدولى وتعليمات رجب طيب أردوغان!
(7)
على قدر ما يحمل ذلك من أنباء سيئة.. لكنه يفتح الباب لآمال عظيمة. قولاً واحداً: تأسيس «الاتحاد الدولى لعلماء المسلمين» برئاسة الإمام الأكبر شيخ الأزهر.. ليكون الاتحاد الجديد.. الجناح الفكرى العالمى للأزهر الشريف.
إن منحنى الطلب على الأزهر الشريف وصل إلى أقصاه.. واليوم تريد المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وأكثر من مليار مسلم معتدل فى العالم أن يدعموا المدرسة الوسطية العالمية التى تاجر بها «الاتحاد العالمى» ثم انقلب عليها.
لدينا الآن فرصة رائعة.. شطب «الاتحاد العالمى» من المستقبل، وإعلان الاتحاد الدولى متضمناً نخبةً من المخلصين الصادقين.. والأتقياء الموثوقين. إن مهمة الاتحاد الجديد فى جملة واحدة.. تعزيز المكانة العالمية للأزهر، وتعظيم «القوة الناعمة» للإسلام.
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر
المصدر: "الوطن"