ماذا يمكن أن يتعلّمه سوق الكويت للأوراق المالية من خطة أمازون نحو الثلاثة تريليونات دولار؟؟

بينما يواصل سوق الكويت للأوراق المالية تمسكه بالمجالات الكلاسيكية مثل التمويل العقاري والمصرفي والخدمات التشغيلية، تسير شركات التكنولوجيا العملاقة في مسار مختلف، حيث تعيد صياغة مفاهيم القيمة والنمو، ويبرز ذلك بوضوح في رحلة أمازون نحو الاقتراب من تقييم 3 تريليونات دولار، وهو رقم لم تبلغه من قبل سوى كيانات محدودة على غرار آبل ومايكروسوفت وإنفيديا، لكن الصعود اللافت لأمازون لا يعكس تفوق قطاع التكنولوجيا فقط، بل يكشف عن تحول جوهري في بنية الأعمال الحديثة، التي باتت ترتكز على مرونة الخدمات السحابية وتكامل الذكاء الاصطناعي.
استطاعت Amazon Web Services أن تتحول من وحدة خدمية داخلية إلى محرك نمو رئيسي رفع من قدرة أمازون على توسيع قاعدة أعمالها عالميًا، فالبنية التحتية القابلة للتوسع، والمنصات الرقمية عالية الهامش، أصبحت تمثل المورد الأكبر لقيمة الشركة السوقية، وهو ما يمنح المستثمرين في الاقتصادات الناشئة نموذجًا يحتذى به في فهم مستقبل الربحية.
يمنح هذا النموذج شركات الأسواق التقليدية، ومن ضمنها شركات سوق الكويت للأوراق المالية، فرصة لإعادة تقييم استراتيجياتها، إذ تكشف تجربة أمازون أن التفوق لم يعد مرهونًا بحجم الأصول أو مواقع الفروع، بل بكفاءة التكنولوجيا، وقدرتها على توفير خدمات قابلة للتطوير، تحقق عوائد متزايدة دون زيادة مماثلة في التكلفة.
تُشير المؤشرات إلى أن المستثمرين في الكويت يمكنهم الاستفادة من هذه الرؤية إذا ما وُجهت الاستثمارات نحو القطاعات الرقمية، وتم تعزيز ثقافة التحول التقني داخل الشركات، فالمعادلة الجديدة تعتمد على الانتقال من الاستثمارات ذات العائد المحدود إلى بيئات أعمال ذكية قادرة على تحقيق أرباح مستدامة، وهذا لا يتحقق إلا من خلال استيعاب نماذج النمو العالمية، وفي مقدمتها تجربة أمازون.
باختصار، تجربة عملاق التكنولوجيا الأمريكي تسلط الضوء على ضرورة تحوّل الشركات المحلية في الكويت نحو اقتصاد قائم على المعرفة والبرمجيات والخدمات الذكية، وهو توجه بات يشكل أساس المنافسة المستقبلية، ليس فقط في وادي السيليكون، بل في كل سوق تسعى إلى الحفاظ على استدامتها وربحيتها في بيئة تتغير بوتيرة متسارعة.
ما الذي يجعل أمازون مرشحة بقوة؟
في الوقت الحالي، تبلغ القيمة السوقية لأمازون حوالي 2.2 تريليون دولار. ولكي تصل إلى 3 تريليون، تحتاج إلى تحقيق نمو بنسبة 36% تقريبًا. هل هذا الرقم مستحيل؟ ليس تمامًا! خاصةً إذا علمت أن مصدر القوة الحقيقية وراء هذا النمو هو أمازون ويب سيرفيسز (AWS)، ذراع الحوسبة السحابية للشركة.
AWS لم تعد مجرد مزود خدمات سحابية، بل أصبحت لاعبًا رئيسيًا في عالم الذكاء الاصطناعي، وتحديدًا في ثلاث مجالات:
أولًا: البنية التحتية، حيث أمازون تبني قاعدة الذكاء الاصطناعي للعالم
AWS تدير مراكز بيانات ضخمة توفر من خلالها طاقة حوسبة عالية لمطوري الذكاء الاصطناعي.
لكن ما يميزها أنها لا تعتمد فقط على شرائح إنفيديا باهظة الثمن، بل طورت شرائح خاصة بها مثل Trainium2، والتي توفر ما يصل إلى 40% من تكاليف التدريب مقارنةً بالمنافسين، بحسب تصريحات الرئيس التنفيذي آندي جاسي.
ثانيًا: النماذج اللغوية، حيث تنافس أمازون في قلب عالم الذكاء الاصطناعي
تقدم AWS مجموعة من النماذج اللغوية الضخمة (LLMs) تحت اسم Nova، منها نموذج NovaSonic لتحويل الكلام إلى كلام، مما يمهد الطريق لتطبيقات الذكاء الاصطناعي الصوتي.
ولإعطاء المطورين أقصى قدر من المرونة، توفر منصة Bedrock إمكانية الوصول إلى نماذج شركات أخرى مثل Anthropic وMeta، مما يجعل AWS وجهة واحدة لكل احتياجات التطوير.
ثالثًا: التطبيقات، هل جربت من قبل مساعد افتراضي من أمازون؟
أطلقت AWS مؤخرًا المساعد الافتراضي Q، المصمم لمساعدة العملاء في تحليل البيانات وكتابة الأكواد. واللافت أن Q يُعتبر الآن من أفضل أدوات البرمجة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، حيث يحقق أعلى معدل قبول للكود وأسرع أداء، بحسب تقارير داخلية.
هل AWS حقًا أقوى من قسم التجارة الإلكترونية في أمازون؟
رغم أن AWS شكلت أقل من خُمس إيرادات أمازون في الربع الأول من 2025 (29.2 مليار دولار من أصل 155.6 مليار دولار)، إلا أنها ساهمت بـ63% من إجمالي الدخل التشغيلي للشركة.
بينما تبقى التجارة الإلكترونية هي المصدر الأكبر للإيرادات، إلا أنها تعتمد على هوامش ربح ضعيفة جدًا بسبب سياسة الأسعار المنخفضة. لكن أمازون نجحت في تحسين الكفاءة التشغيلية لشبكتها اللوجستية، ما أدى إلى تقليل التكلفة لكل طلب وتحسين الربحية.
ومع ذلك، هناك مخاطر مثل الرسوم الجمركية المفروضة على المنتجات الصينية والتي تشكل أكثر من 70% من البضائع على المنصة. هذه الرسوم قد تدفع التكاليف للارتفاع وتؤثر على هامش الربح، مما يزيد من أهمية AWS كمصدر ربح أساسي.
الأداء المالي، هل تدعم الأرقام هذا النمو المتوقع؟
في الربع الأول من 2025، سجلت أمازون أرباحًا قدرها 1.59 دولار للسهم الواحد، بزيادة سنوية ضخمة بلغت 62%. هذا يأخذ متوسط الأرباح على مدى 12 شهرًا إلى 6.13 دولار، مما يعني أن السهم يتم تداوله الآن بمضاعف ربحية (P/E) قدره 33.5.
للمقارنة:
- إنفيديا: أعلى من 38
- مايكروسوفت: في نفس النطاق
- أبل: أقل من أمازون
لكن أمازون تنمو بشكل أسرع من الجميع. وإذا أخذنا التوقعات لعام 2026 والتي تشير إلى أرباح 7.27 دولار للسهم، ومع فرض أن مضاعف الربحية يرتفع إلى 38 (كما كان سابقًا هذا العام)، فإن السعر المتوقع للسهم سيكون حوالي 276 دولار، أي ما يعادل قيمة سوقية تقارب 2.95 تريليون دولار.
وبما أن أمازون تفوقت على تقديرات الأرباح بنسبة 22% في الأرباع الأربعة الماضية، فإن تجاوز حاجز الثلاثة تريليون يبدو احتمالًا واقعيًا جدًا.