منصات التواصل تتحول لساحات تجنيد: شبكات منظمة تستدرج ”الشباب العراقيين” بالمال للقتال في صفوف الجيش الروسي
تبحث أمهات عراقيات بقلوب مفطورة عن أبنائهن الذين اختفوا في أعماق الحرب الروسية الأوكرانية، بعد أن غرر بهم عبر إغراءات مالية هائلة.
قبل ستة أشهر تقريباً، ظهر الشاب محمد عماد في آخر تسجيل له على تطبيق تيك توك، مرتدياً ملابس عسكرية ويبتسم أمام حقول يتصاعد منها دخان كثيف في أوكرانيا على الأرجح، معلقاً بعبارة "دعاؤكم" مع علم روسيا.
انقطعت أخبار محمد تماماً منذ ذلك اليوم، وتتناقل عائلته روايات متضاربة عن مصيره: أُسر، جُرح، أصيب بمرض، أو قُتل بطائرة مسيرة أوكرانية في نزاع مستمر منذ فبراير 2022 وأودى بحياة مئات الآلاف.
سافر محمد البالغ 24 عاماً إلى روسيا خلسة عن أهله، ليلتحق بصفوف جيشها ويحارب في أوكرانيا، مدفوعاً بوعود بمرتبات مجزية وجواز سفر روسي، كما تحكي والدته زينب جبار لوكالة فرانس برس.
في دولة يعاني فيها ثلث الشباب بين 15 و24 عاماً من البطالة، كشفت وكالة فرانس برس عن عشرات الفتيان الذين انبهروا بعروض مالية مغرية يروجها مؤثرون على وسائل التواصل للقتال إلى جانب روسيا.
تشمل الإغراءات راتباً شهرياً يبلغ 2800 دولار، أي أربعة أضعاف ما يحصل عليه جندي في الجيش العراقي، بالإضافة إلى مكافأة توقيع تصل إلى 20 ألف دولار.
تواصلت الوكالة مع أهالي أربعة شباب من أسر فقيرة انضموا للجيش الروسي، ثلاثة منهم مفقودون، والرابع عاد جثة هامدة إلى ذويه، كما تحدثت أيضاً إلى عراقي يقاتل حالياً تحت العلم الروسي، يشارك تفاصيل يومياته عبر الإنترنت ويساعد الراغبين في الالتحاق.
عند اندلاع النزاع، أعلن الرئيس فلاديمير بوتين نيته تجنيد 16 ألف مقاتل من الشرق الأوسط، وتوجه حينها نحو ألفي جندي سوري نظامي إلى روسيا.
تركز قنوات التليجرام الحالية على جذب فئة شبابية مختلفة، واتصلت الوكالة برقم أعلنته إحداها، فأفاد المتحدث بأن الأمر يتطلب جواز سفر وعنواناً ورقماً هاتفياً فقط، ثم ترسل دعوة تأشيرة وتغطى تكاليف السفر.
بينما تعلق عائلات تحت فيديوهات الدعاية تساؤلات يائسة عن أبنائها المفقودين، حيث تعتقد أسرة محمد أن الإعلانات عبر وسائل التواصل دفعته للسفر إلى روسيا هذا العام، وتحكي والدته كيف توسلت إليه بالعودة ظناً منها أنه يعمل في مخبز بالبصرة، لكنه كان في الواقع يقاتل في جبهات روسيا وأوكرانيا.
وهناك روايات متعددة عن مصير هذا الشاب، أقساها من حساب الشاب عباس حمدالله الملقب بعباس المناصر على وسائل التواصل، كما يشارك عباس البالغ 27 عاماً تجاربه في الجيش الروسي عبر تيك توك وتليجرام، ويعرض مساعدة الراغبين في الالتحاق.
ويذكر أن سافر عباس إلى موسكو عام 2023 عازماً الوصول إلى أوروبا كآلاف المهاجرين العراقيين، لكن إعلانات التجنيد في الشوارع غيرت مساره، موضحا:
"لا مستقبل لنا في العراق، جربت كل الطرق وفشلت"، مؤكداً أن أولويته عائلته وليست روسيا أو أوكرانيا.
انضم إلى الجيش الروسي عام 2024 وحصل على جواز سفره، ويرسل شهرياً نحو 2500 دولار لأهله، مبلغ خيالي لمعظم الشباب العراقيين، وينشر عباس على قنوات التليجرام دعوات لتأشيرات بتكلفة ألف دولار، يأخذ وكلاء السفر معظمها، وينفي تقاضي أجر لكنه يحذر من سماسرة يسرقون جزءاً من مكافأة التوقيع.
يؤكد للراغبين أن "الموت محتمل هنا"، موضحاً أن هذه حرب تكنولوجيا متقدمة وطائرات مسيرة، مختلفة عن حروب العراق، ومع ذلك، لا يندم عباس وقد جدد عقده لعام إضافي مع القوات الروسية.

