من هو علي المدفع؟ فنان منح الدراما السعودية روحها الصادقة على مدى نصف قرن
يبقى اسم "علي المدفع" حاضرًا في ذاكرة الدراما السعودية كأحد الأعمدة التي شكّلت وجدانها الفني منذ بداياتها الأولى، لم يكن مجرد ممثل يؤدي أدوارًا مكتوبة له، بل كان جزءً من الحكاية نفسها، يعيشها بصدقٍ يجعل ملامحه مألوفة لدى كل من تابع مسيرة الفن المحلي، فمنذ خطواته الأولى كان يؤمن بأن قيمة الممثل ليست في حجم الدور، بل في عمق الأثر الذي يتركه في قلوب المشاهدين.
في أعماله الكوميدية القديمة مثل "طاش ما طاش"، جسد "المدفع" روح البساطة والنقاء التي ميزت ذلك الجيل، فكان حضوره خفيفًا لكنه لا يُنسى، وشخصياته كانت تحمل ذكاء الموقف وسخرية الواقع، وتعكس طريقة تفكير الناس العاديين دون مبالغة أو تصنع، ولهذا أحبه الجمهور وعدّه رمزًا للفن الصادق.
وعندما انتقل إلى مسلسل "شباب البومب" أثبت أن الإرادة أقوى من أي عائق، إذ واصل التمثيل رغم تراجع بصره، متمسكًا برسالته الفنية دون أن يشعر من حوله بأنه يعاني من ضعف الرؤية، كما أن إتقانه وحضوره الدافئ جعلا أداءه يبدو طبيعيًا كما لو أنه يرى التفاصيل بوضوح، ليؤكد أن الموهبة حين تكون حقيقية تُبصر بالقلب لا بالعين.
مسيرته الممتدة من المسرح إلى التلفزيون والإذاعة تجسد تاريخ جيلٍ آمن بأن الفن التزام تجاه المجتمع قبل أن يكون وسيلة للشهرة، فكان "علي المدفع" نموذجًا للممثل الذي يخدم العمل لا نفسه، ويجعل من فنه رسالة إنسانية تتوارثها الأجيال.
واليوم وبعد أكثر من خمسين عامًا في العطاء، يقف "علي المدفع" كذاكرة حية للدراما السعودية كفنان هادئ الملامح وعميق التأثير، ويبقى التساؤل الأهم حول ما إن كانت الدراما السعودية ستظل محتفظة بهذه الأخلاق والقيم الحسنة، فمن الضروري أن يبقى الفن السعودي بنفس الأصالة والنقاء.

